الأحد، 9 يوليو 2017

جرعة وحدة

يمكنك أن تستمع هنا أثناء قراءة المقال: 






   ذهبت الى أحد التلال البعيدة عن منزلنا والتي تتوسط كثيرا من الحقول والتي بدأ الصفار يتسلل لها تدريجيا بفعل الشمس التي سلبتها ماء الحياة فغدت يابسة تنتظر ذلك المعول ليأخذها بعيدا ويمارس فيها قانون الطبيعة بأن لكل شيء نهاية، ناظرا الى السماء التي غطت فيها الغيوم الشمس فغدا الجو باردا منعشا على غير عادة هذا الصيف والذي فرض علينا حظر تجول في صباحه جلست على صخرة وحدي وتوسدت أخرى..

******
  والوحدة تؤنس أحيانا كما لا يفعل أي جمع أو أي صديق، لكن هذا لا يكون الا ان كنت متخذا من نفسك صديقا، وعلى عكس ما تقوله صفحات مواقع التواصل فان هذا ليس بالامر السهل اليسير، فكثير منا اتخذوا أنفسهم عدوا لهم لا يضيعون أي ثانية لتوجيه نقد وتجريح لها، يصغرون أي فكرة منها ويحتقرونها  ودائما هناك زاوية علوية ينظرون منها باحتقار لها، يهربون منها كما يهربون من أعدائهم فتجدهم دائما يهربون لمجامع الناس، الى كتاب، الى فيلم، المهم أن لا يبقوا معها وهنا المصيبة فأنت قد تهاجر فتبتعد عن أهلك وقد تخاصم فتبتعد عن أصدقائك، لكنك خلال كل هذا تبقى مع نفسك ولا تستطيع معها فراقا، حتى بالموت وووضعك تحت التراب فلن يبقى معك غيرها،

أرأيت أين هي المصيبة ؟ أنها رغم كل هذا لا تحصل منك الا على النكران والاحتقار..

   قد يحدث أحيانا أن تغضب منك فتتحول الى عدو فتحس بالفرق حقا وثقل عداوتها فلا يحلو لك كلام ولا أكل ولا نوم ولا تعرف اي حل لهذا ولا تملك الا ان تصبر حتى تهدأ وتعود لحالها الاولى، ومن هنا وجب أن تبحث عن طرق لتصادقها ولو فعلت فستحس حقا بلذة وحلاوة الوحدة والانس بها،

  لا أجد في نفسي صعوبة أو نفورا منها لكن الكثيرين يفعلون لذا وجب منهم مران طويل ومنهج شاق حتى يصلوا لها ويأنسوا بها واذا فعلوا لوجدوا لذة في كل تفكير وعمقا في كل معنى ولعرفوا حقيقة نفسهم التي كان ضجيج العالم يحجبهم صوتها فتتجرد نفسهم من غرورها وكبريائها فيظهر لها الحق واضحا جليا، وأي لذة أجمل من لذة الحق وتجليه ؟ ولكننا لا نعلم ... 

***** 
  بدأت أركز مع الغيوم فوقي قليلا كانت تتحرك بسرعة رغم انه لم تكن هناك ريح قوية، بدت احداها مثل احد الوجوه التي اعرفها والاخرى بدت مثل احد الاماكن التي اعتدت زيارتها سابقا والاخرى بدت مثل ... والاخرى ...! اصبت بالرعب للحظة بدا هذا كانه شريط لماضي يعرض الآن، كنت أعلم أن الماضي هجماته مباغتة لكنني كنت أظن أنه يهاجم اذا نظرنا للخلف فقط لم اتوقع ان يدهشني هكذا وانا ناظر لأعلى، لكن لماذا نخافه أليس هو تجاربنا نحن ونحن من صنعناه ؟ ألم يكن معنا كريما ومنحنا الخبرة ثم نتنكر له هكذا ؟ أنخافه لأننا نخاف رؤية الندم المصاحب لهذه التجربة والخبرة المأخوذة، هل نكره المعرفة لهذه الدرجة، هل الجهل مغر ومريح لهذه الدرجة أم لأن ثمنه بخس ونحن شعوب بخيلة حتى في أفكارها؟
لا ؟ اذا هلماذا نندم لأننا تعلمنا ؟ لأننا عرفنا ؟

لماذا الخوف؟

****
   ثم ماذا ؟ اختفت الغيوم وعادت الشمس وقطعت حبل أفكاري بحرارتها وخيوط اشعتها التي أعمتني للحظات فوقفت لبرهة أستشعر طريقي بعد ان فقدت احداثياتي مع طول السرحان والتفكير ...